المركز الأفريقي للاستشارات African Center for Consultancy

تقدير موقف

مستودع المهاجرين: إفريقيا في قلب استراتيجية الترحيل الأمريكية الجديدة

17/08/2025
مستودع المهاجرين: إفريقيا في قلب استراتيجية الترحيل الأمريكية الجديدة

المركز الافريقي للإستشارات


تشكل عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض في يناير 2025 نقطة تحوّل محورية في ملف الهجرة، ليس فقط داخل الولايات المتحدة، بل على المستوى العالمي، وتحديدًا في إفريقيا. فمنذ الأيام الأولى لإدارته الثانية، شرع ترمب في إعادة تفعيل سياساته المتشددة تجاه المهاجرين، مستندًا إلى نهج أمني متطرف يرى في "إبعاد غير الأمريكيين" أحد أركان استعادة ما يُسمى "هيبة الدولة" وحماية "الهوية الوطنية".

وفي هذا السياق، لم تعد سياسات الترحيل تُمارس فقط في إطار القانون الداخلي، بل تحوّلت إلى أداة دبلوماسية تُستخدم لعقد صفقات مع دول في الجنوب العالمي – وخصوصًا في القارة الإفريقية – من أجل تصدير الأزمة إلى الخارج. هذه النقلة النوعية في التعاطي مع ملف الهجرة تعكس استراتيجية موسّعة لإعادة إنتاج مشروع "أمريكا أولاً" بمضامين أمنية وعنصرية جديدة.

كما جاء في تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست في 30 أبريل 2025، فإن الإدارة الأمريكية توصّلت إلى اتفاق غير معلن مع حكومة رواندا، تنص على استقبال عدد من المهاجرين غير الشرعيين الذين تم توقيفهم داخل الأراضي الأمريكية، مقابل حوافز مالية ومساعدات تنموية مباشرة للقطاع الصحي والتعليمي في رواندا. وقد أكّدت الحكومة الرواندية في بيان رسمي صدر في 4 أغسطس 2025 قبولها استضافة ما يصل إلى 250 شخصًا تم ترحيلهم من الولايات المتحدة، ضمن ما وُصف بـ"اتفاق التعاون الإنساني المشترك" (كما ورد في رويترز، 4 أغسطس 2025).

وفي موازاة هذا، كشفت وكالة أسوشيتد برس أن الولايات المتحدة بدأت فعليًا في ترحيل مهاجرين إلى دول أخرى في إفريقيا، أبرزها مملكة إسواتيني، حيث استقبلت الأخيرة عددًا من المُرحلين في مطلع يوليو 2025 ضمن ترتيبات سرية لم تُعلن تفاصيلها للرأي العام (كما جاء في تقرير AP، 2 أغسطس 2025). ووفقًا للتسريبات، فإن مملكة إسواتيني قد حصلت على تعهدات بدعم مالي ومشاريع بنية تحتية مقابل التعاون في استقبال المهاجرين.

تأتي هذه التطورات على خلفية قرار قضائي حاسم صدر عن المحكمة العليا الأمريكية في 23 يونيو 2025، يقضي بإسقاط القيود القانونية المفروضة على ترحيل الأفراد إلى "دول ثالثة"، بما في ذلك الدول التي لا تربطها بالولايات المتحدة اتفاقيات لجوء أو حماية، مما مهّد الطريق قانونيًا أمام تنفيذ مثل هذه الاتفاقيات المثيرة للجدل (كما صدر عن المحكمة العليا الأمريكية، الحكم رقم 23-113).

وبحسب تقييمات مركز الدراسات القانونية في جامعة نيويورك، فإن هذا القرار "يفتح الباب أمام إنشاء منظومة عالمية لترحيل البشر، حيث تتحول الدول النامية إلى مستودعات بشرية للأزمات الأمريكية" (كما ورد في تقرير مركز NYU للدراسات القانونية، يوليو 2025).

 

الآثار على إفريقيا: القارة كمسرح للهندسة السكانية

إن استخدام الدول الإفريقية، وخصوصًا رواندا وإسواتيني، كمواقع استقبال لمهاجرين لم تكن لهم أي صلة سابقة بهذه البلدان، يمثل تحوّلًا خطيرًا في بنية العلاقة بين الشمال والجنوب. فقد تحوّلت إفريقيا، مرة أخرى، إلى مجال جغرافي تجري عليه سياسات عالمية لا تُراعي لا الكرامة الإنسانية، ولا السيادة الوطنية.

في الحالة الرواندية، تستثمر الدولة في إعادة إنتاج صورة "الدولة الآمنة والمستقرة" لاستقطاب الاستثمارات والصفقات السياسية، كما سبق أن فعلت في الاتفاق المشابه مع المملكة المتحدة عام 2022. أما في الحالة الإسواتينية، فالدافع الرئيسي يبدو اقتصاديًا بحتًا، وسط تراجع في مؤشرات التنمية وتدهور مزمن في البنى التحتية.

لكن هذه السياسات لا تخلو من تبعات خطيرة على المدى المتوسط، سواء من الناحية الأمنية أو الاجتماعية، إذ من المتوقع أن تخلق الترحيلات موجات توتر محلية، لا سيما في ظل محدودية الموارد، وعدم وجود إطار حماية قانوني للمُرحلين داخل تلك الدول.

كما حذرت منظمات حقوقية مثل "هيومن رايتس ووتش" و"منظمة العفو الدولية" من هذه السياسات، معتبرة أنها "تُشرعن تصدير المعاناة بدلًا من معالجتها" (كما جاء في بيان مشترك صادر عن المنظمتين في 5 أغسطس 2025).


الخلفية التاريخية لترحيل المهاجرين من أمريكا إلى إفريقيا

يعود توظيف القارة الإفريقية كوجهة لترحيل الأشخاص من الولايات المتحدة إلى جذور استعمارية، تتقاطع مع محطات من التاريخ العنصري الأمريكي ذاته. ففي أوائل القرن التاسع عشر، تأسست "الجمعية الأمريكية للاستعمار" (ACS) بهدف إعادة توطين الأمريكيين السود المحررين في القارة الإفريقية، ما أسفر عن إنشاء دولة ليبيريا عام 1822. هذه العودة القسرية المغلّفة بشعارات "التحرير" لم تكن سوى أداة لفصل السكان السود عن البنية الأمريكية البيضاء المستعمِرة.

كما جاء في أرشيف مكتبة الكونغرس الأمريكية، فإن مشروع إعادة التوطين هذا كان مدعومًا من قبل قطاعات نافذة في النخبة الأمريكية البيضاء، وتموّلته إدارات متعاقبة حتى نهاية القرن التاسع عشر (كما ورد في مكتبة الكونغرس الأمريكية، سلسلة الهجرة العالمية، 2020).

وفي القرن العشرين، أعادت الولايات المتحدة استخدام سياسات الترحيل الجماعي، وإنْ لم تكن موجهة إلى إفريقيا آنذاك، لكنها كرّست مبدأ "الإبعاد كأسلوب لحل الأزمات الداخلية". ومن أبرز هذه المحطات:

  • الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي، حيث جرى ترحيل ما لا يقل عن 400,000 شخص من أصول مكسيكية في إطار حملات التطهير العرقي والاقتصادي، تحت مسمى "العودة الطوعية" (كما جاء في تقرير موقع Politico، ديسمبر 2024).
  • عملية Wetback عام 1954، التي شهدت ترحيل ما يزيد عن مليون مهاجر مكسيكي، بينهم مواطنون أمريكيون، في أكبر حملة ترحيل بتاريخ البلاد الحديث، وفقًا لتقارير وزارة الأمن الداخلي الأمريكية (كما صدر عن وزارة الأمن الداخلي، تقرير أرشيفي، 2019).

إن هذا التاريخ الطويل يُظهر أن الترحيل لم يكن أداة قانونية فحسب، بل سياسة ممنهجة لبناء هوية قومية متجانسة عرقياً، يتم تفعيلها كلما اشتدت الأزمات الداخلية.

 الركائز القانونية والسياسات الحديثة في الولايات المتحدة

في العقود الأخيرة، شهدت الولايات المتحدة تحوّلًا نوعيًا في الإطار القانوني المنظم للهجرة، نحو مزيد من التشدد، لا سيما منذ أحداث 11 سبتمبر 2001، التي أعادت تعريف الأمن القومي والهجرة بوصفهما قضيتين مترابطتين.

من أبرز التحولات القانونية:

  • قانون إصلاح الهجرة والمسؤولية (IIRIRA) لعام 1996، الذي أسس لنظام "الإبعاد المعجّل"، حيث يمكن ترحيل الأفراد دون المثول أمام القاضي، إذا لم يستطيعوا إثبات إقامتهم لمدة عامين داخل الولايات المتحدة، أو إذا أدلوا بمعلومات خاطئة أثناء الدخول (كما ورد في تقرير الكونغرس حول الهجرة، 1996).
  • تفعيل Title 42 في عهد ترامب عام 2020، وهي مادة صحية تم توظيفها لترحيل المهاجرين بحجة الوقاية من جائحة كوفيد-19، دون تمكينهم من طلب اللجوء، وقد أدّى هذا إلى ترحيل مئات الآلاف قبل أن تُلغى في 2023 (كما صدر عن مركز السيطرة على الأمراض CDC، ومكتب الجمارك وحماية الحدود، تقارير 2020–2023).
  • إعادة إحياء برامج "الدول الثالثة" في عهد ترمب الثاني 2025، حيث يتم التفاوض مع دول أجنبية (غالبًا فقيرة وضعيفة سياسيًا) لاستقبال مهاجرين غير شرعيين لا تربطهم بها أي صلة، على غرار اتفاق رواندا، مما يُعيد صياغة مفهوم "الترحيل" إلى ما يشبه "الهندسة الديموغرافية العابرة للحدود".

وقد شهد هذا التحول دعماً قضائيًا مهمًا في 23 يونيو 2025، حين أصدرت المحكمة العليا الأمريكية حكمًا يسمح بترحيل الأفراد إلى دول لا توجد بها اتفاقيات حماية أو لجوء، مما أعطى الغطاء القانوني لإدارة ترمب لتفعيل اتفاق رواندا-إسواتيني (كما صدر عن المحكمة العليا، الحكم رقم 23-113).

 

التتبع الزمني: اتفاقيات ترحيل المهاجرين إلى إفريقيا في 2025

تمثل سنة 2025 عامًا حاسمًا في تدويل ملف الهجرة الأمريكية وترحيله إلى إفريقيا. ويمكن تتبع أبرز المحطات الزمنية كما يلي:

  • يناير 2025: دونالد ترمب يؤدي اليمين الدستورية رئيسًا للولايات المتحدة، ويُعلن في أول خطاب له أن "ملف الهجرة سيكون أولوية قصوى للأمن القومي الأمريكي".
  • مارس–أبريل 2025: تبدأ تقارير مسربة تتحدث عن مفاوضات سرية بين واشنطن ورواندا بشأن استقبال "عدد محدود" من المهاجرين غير النظاميين الذين لا يمكن ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية. وقد أكدت صحيفة واشنطن بوست في تحقيق مطوّل بتاريخ 30 أبريل أن الصفقة تشمل دعمًا ماليًا مباشرًا لمجالات التعليم والصحة في رواندا مقابل استقبال المهاجرين (كما جاء في واشنطن بوست، 30 أبريل 2025).
  • مايو 2025: بدء تنفيذ المرحلة الأولى من عمليات الترحيل إلى دول إفريقيا، حيث تم ترحيل أول مجموعة من المهاجرين إلى جنوب السودان، في خطوة اعتبرها مراقبون اختبارًا لرد الفعل الدولي، خصوصًا مع ورود تقارير عن تعرض بعضهم لسوء المعاملة عند الوصول (كما ورد في تقرير وكالة AP، مايو 2025).
  • 23 يونيو 2025: المحكمة العليا تُسقط الحظر القضائي على ترحيل الأفراد إلى "دول غير آمنة"، مما اعتُبر ضوءًا أخضر لمواصلة عمليات الترحيل دون قيود قانونية تُذكر (كما صدر في حكم المحكمة العليا، 23 يونيو).
  • 4 أغسطس 2025: حكومة رواندا تُعلن رسميًا قبولها استقبال ما يصل إلى 250 شخصًا تم ترحيلهم من الولايات المتحدة، ضمن "اتفاق ثنائي لتعزيز الشراكة الإنسانية". كما تم ترحيل دفعة من المهاجرين إلى مملكة إسواتيني، التي لم تُعلن رسميًا عن الاتفاق، لكن تقارير صحفية أكدت وصولهم بالفعل (كما جاء في رويترز، وAP، 4 أغسطس 2025).

هذا التسلسل الزمني لا يوضح فقط مراحل التنفيذ، بل يعكس أيضًا تسارعًا واضحًا في عملية تصدير أزمة الهجرة من الولايات المتحدة إلى إفريقيا، ضمن أطر سياسية غامضة.

 

 

الأبعاد والأسباب والدوافع

أبعاد سياسية – أمنية:

تسعى إدارة ترمب إلى توظيف ملف الهجرة كمادة دعائية لقاعدتها الانتخابية من خلال إظهار الحزم، إلى جانب استخدامه كأداة ضغط على الدول النامية لتقديم تنازلات سياسية واقتصادية. ويكشف "نموذج رواندا" كيف يمكن تحويل دولة إفريقية إلى شريك ضمن استراتيجية أمريكية أوسع لتفكيك أزمات الداخل الأمريكي عبر "التفريغ الخارجي".

أبعاد اقتصادية:

تمثل الاتفاقات التي تعقدها الولايات المتحدة مع بعض الدول الإفريقية، مثل رواندا ومملكة إسواتيني، نموذجًا جديدًا من "المقايضة الجيوسياسية" التي يُوظَّف فيها ملف الهجرة لتحقيق مكاسب اقتصادية متبادلة، لكن غير متكافئة.

من جهة، تسعى الولايات المتحدة إلى خفض تكاليف منظومتها الداخلية للهجرة، والتي تشمل عمليات الاحتجاز، النقل، الإجراءات القضائية، والرعاية الصحية للمهاجرين المحتجزين. وبحسب تقارير حكومية، فإن تكلفة احتجاز مهاجر غير شرعي في مراكز ICE تتراوح بين 150 إلى 300 دولار يوميًا للفرد الواحد (كما جاء في تقرير المفتش العام لوزارة الأمن الداخلي الأمريكية، 2023). وبالتالي، فإن الترحيل إلى دول إفريقية بتكاليف دعم خارجي محدود، يُعد خيارًا أرخص وأكثر "جدوى سياسية" لإدارة ملف معقّد يلقى جدلاً داخليًا متصاعدًا.

في المقابل، تقدم الولايات المتحدة حوافز مالية مباشرة وغير مباشرة للدول الإفريقية التي تقبل استقبال المرحّلين، تشمل:

  • دعم مالي مباشر مخصص لبناء أو توسيع مراكز الإيواء.
  • تمويل مشاريع تنموية في البنية التحتية، الصحة والتعليم.
  • وعود باستثمارات وشراكات مستقبلية في مجالات التكنولوجيا أو الطاقة.

فعلى سبيل المثال، قبلت رواندا في يونيو 2025 استقبال دفعة أولى من 250 مهاجرًا، مقابل دعم أمريكي بقيمة تصل إلى 75 مليون دولار على ثلاث سنوات، موجهة لبناء "مراكز استقبال إنسانية" و"برامج اندماج مجتمعي" (كما ورد في بيان وزارة الداخلية الرواندية، 24 يونيو 2025). وقد سبق أن اعتمدت المملكة المتحدة نفس الأسلوب مع رواندا في اتفاق مشابه عام 2022.

لكن هذه "الصفقات"، رغم مكاسبها المادية، تُثير تساؤلات أخلاقية جوهرية. فهي تُحوِّل الإنسان المهاجر إلى سلعة ضمن تبادل غير متوازن، حيث تُستخدم المعاناة الإنسانية كورقة تفاوض للحصول على تمويل أجنبي، دون ضمان حقيقي لحقوق المرحّلين، أو مشاركتهم في صياغة مستقبلهم.

إضافة إلى ذلك، فإن تدفق هذا النوع من الدعم الخارجي يخلق اقتصادًا موازيًا للهجرة القسرية، يُشجّع بعض الأنظمة الإفريقية على قبول صفقات جديدة مقابل تمويل قصير الأجل، دون النظر إلى التكلفة الاجتماعية والأمنية بعيدة المدى، خصوصًا في ظل هشاشة الاقتصاد، وتحديات الدمج الاجتماعي، وغياب البنى التحتية القانونية الكافية.

باختصار، فإن البعد الاقتصادي لملف الترحيل من أمريكا إلى إفريقيا لا يمكن فصله عن البعد الأخلاقي، وهو يفتح الباب أمام منطق جديد في العلاقات الدولية، تُقايَض فيه "الأرض مقابل الناس"، و"الدعم مقابل الصمت"، ما يفرض على المجتمعات المدنية والنخب السياسية في إفريقيا وقفة حاسمة تجاه هذه السياسات التي تُفرّغ التنمية من مضمونها الحقيقي.

الأبعاد القانونية والإنسانية: شرعية موضع شك وأعباء تتجاوز الحدود

تُشكّل عمليات ترحيل المهاجرين غير النظاميين من الولايات المتحدة إلى دول إفريقية لا تربطهم بها أي روابط إثنية أو جغرافية أو قانونية سابقة، تحديًا خطيرًا لمنظومة القانون الدولي ومواثيق حقوق الإنسان، وتعيد طرح تساؤلات حاسمة حول مدى احترام الدول الكبرى للالتزامات الدولية التي كانت تدعو إليها لسنوات.

أولًا، من منظور قانوني، فإن نقل أفراد إلى دول ثالثة دون موافقتهم الحرة والمستنيرة، أو دون أن يكون لتلك الدول أي التزام قانوني أو علاقة قانونية سابقة بهم، يتعارض بشكل مباشر مع مبدأ "عدم الإعادة القسرية" (non-refoulement) المنصوص عليه في اتفاقية جنيف لعام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين. هذا المبدأ، والذي يُعتبر حجر الأساس في حماية اللاجئين والمهاجرين، يمنع الدول من إعادة الأفراد إلى أماكن قد يتعرضون فيها لانتهاكات أو لظروف غير إنسانية.

كما أكدت منظمة العفو الدولية أن هذه السياسات "تُحوِّل الدول الفقيرة إلى مستودعات بشرية مؤقتة في مقابل المال، بينما لا تضع في الحسبان الحالة النفسية والاجتماعية والقانونية للأفراد المرحلين" (كما جاء في بيان المنظمة بتاريخ 5 أغسطس 2025).

ثانيًا، تُشير تقارير حقوقية متعددة إلى أن بعض الاتفاقات الثنائية الموقعة بين الولايات المتحدة ودول إفريقية لم تمرّ عبر قنوات شفافة أو موافقة برلمانية محلية، مما يثير تساؤلات حول شرعية هذه التفاهمات من جهة القانون الدستوري الوطني لتلك الدول. ففي حالات مثل رواندا، تم توقيع الاتفاق مع الولايات المتحدة عبر مرسوم رئاسي، دون نقاشات علنية أو مشاركة من المجتمع المدني أو الهيئات الحقوقية المحلية.

ثالثًا، من الجانب الإنساني، فإن الأفراد المرحلين – وغالبًا ما يكونون من فئات ضعيفة مثل طالبي اللجوء، أو من ضحايا العنف، أو من عديمي الجنسية – يجدون أنفسهم فجأة في بيئة جديدة تمامًا، دون سند قانوني أو اجتماعي، ودون ضمانات حقيقية لإعادة الإدماج. وتُظهر تجارب مشابهة (مثل اتفاق المملكة المتحدة ورواندا عام 2022) أن عددًا من المرحلين تعرضوا للعزلة، ورفضوا مغادرة مراكز الإيواء، بل حاول بعضهم الانتحار أو الهروب عبر الحدود، نتيجة الشعور بالخذلان واللاجدوى.

كما أن الدول المستقبلة تعاني أصلًا من نقص كبير في أنظمة اللجوء الوطنية، ولا تمتلك الهياكل القانونية والإدارية الكافية للتعامل مع ملفات معقدة مثل قضايا الجنسية، الحماية القانونية، أو لمّ شمل الأسر. وبحسب تقرير مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (يونيو 2025)، فإن "مراكز الاستقبال في دول مثل إسواتيني ورواندا غير مجهزة لتوفير حماية طويلة الأمد، بل تُدار كمراكز عبور مؤقتة بلا خطط استقرار واضحة".

أما على المستوى الرمزي، فإن هذه السياسات تُعيد إلى الأذهان ممارسات استعمارية قديمة، حيث تُستخدم الأراضي الإفريقية كمواقع لتجارب أو تصريف مشاكل خارجية، دون مراعاة لكرامة الإنسان الإفريقي أو احترام سيادة شعوبه.

في المحصلة، فإن الترحيل القسري إلى دول غير مرتبطة بالمرحّلين يُهدد بمأسسة سابقة قانونية خطيرة، قد تُستغل لاحقًا من قبل دول أخرى لتفريغ مسؤولياتها الإنسانية على كاهل دول ضعيفة مقابل الدعم المالي، وهو مسار يُنذر بتفكيك النظام الدولي لحماية المهاجرين، ويُقوّض مفهوم العدالة العالمية المبنية على الكرامة، لا الصفقات.

وعليه، فإن التعامل مع هذا الملف يتطلب ضغطًا سياسيًا من المجتمع الدولي والمنظمات الإفريقية لوقف هذه الممارسات، والعمل على إنشاء آلية رقابة شفافة تحمي المهاجرين وتُلزم الدول باحترام قواعد القانون الدولي، خاصة عندما يتعلق الأمر بمصير البشر الأكثر هشاشة في عالم اليوم.

 

الأبعاد الجيوسياسية: ترسيخ الهيمنة عبر صفقات غير متكافئة

في عمق هذه السياسات التي تتخذها الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية تجاه المهاجرين غير النظاميين، تكمن تحولات جيوسياسية عميقة تُعيد إنتاج علاقات القوة العالمية بين الشمال والجنوب، ولكن بصيغ جديدة تُغلف أدوات الإكراه القديمة بلغة التعاون، والمساعدات، والتنمية.

فترحيل مهاجرين – لا يحملون جنسيات إفريقية ولا صلات قانونية أو إثنية بالقارة – إلى دول إفريقية مقابل أموال أو وعود باستثمارات، يُمثل نمطًا من "التعاقد غير المتكافئ"، حيث تُمارس القوة من طرف واحد (الغرب) ويُفرض على الطرف الآخر (الجنوب العالمي) التنازل عن سيادته أو كرامته الوطنية في مقابل مكاسب ظرفية.

وبحسب تحليل صادر عن مركز السياسات الدولية في واشنطن (2025)، فإن "هذه الصفقات تكرّس شكلًا جديدًا من التبعية، حيث تصبح الدول الإفريقية متلقّية لضغوط خارجية تتجاوز طاقتها السيادية، وتُدفع نحو قبول أدوار لا تتماشى مع مصالح شعوبها، بل تخدم استراتيجيات الهروب من الأزمات السياسية في الغرب".

من هذا المنظور، لا يمكن فهم ترحيل المهاجرين بمعزل عن إعادة هيكلة المشهد الجيوسياسي لما بعد جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية وأزمات الاقتصاد العالمي. ففي ظل صعود التيارات اليمينية في أوروبا وأمريكا، أصبح ملف الهجرة مادة لتعبئة الداخل، وتفريغ الخارج، ما يدفع الحكومات الغربية للبحث عن "حلول خارج الحدود"، سواء عبر بناء الجدران أو تصدير المهاجرين.

وتأتي إفريقيا، مرة أخرى، كمجال تجريبي مفضّل لتطبيق هذه السياسات، لما تعانيه العديد من دولها من ضعف اقتصادي، وهشاشة سياسية، واعتماد مزمن على المساعدات الأجنبية. فاستهداف دول مثل رواندا، إسواتيني، أو حتى تشاد مستقبلاً، لا ينفصل عن هذا السياق، حيث يسهل الضغط عليها سياسيًا مقابل قروض أو صفقات تنموية مشروطة.

والأخطر أن هذه السياسات تُغذّي تصوّرات دونية عن القارة الإفريقية كـ"أرض فارغة" قابلة لاستقبال "الزائدين عن الحاجة" من العالم الأول، ما يُعيد إلى الأذهان منطق الترحيل الاستعماري والتهجير القسري الذي مارسته القوى الاستعمارية الأوروبية خلال القرون الماضية، حين كانت تُنقل الفئات غير المرغوب فيها إلى مستعمرات نائية.

كما أن هذه السياسات تُشكّل اختراقًا إضافيًا لمجال القرار الإفريقي، حيث تتجاوز الاتفاقات الثنائية الحكومات المنتخبة أو الشعوب، وتُبرم غالبًا مع نُخب سياسية صغيرة تُقدّم تنازلات سيادية مقابل استمرار الدعم الخارجي، ما يُضعف بنية التفاوض الإفريقية، ويُفرغ مفاهيم الشراكة والعدالة من معناها.

من زاوية جيوستراتيجية، فإن هذه التحركات قد تُشكّل مدخلًا لمزيد من التنافس الدولي داخل القارة، حيث قد تسعى قوى أخرى مثل الصين أو روسيا للاستفادة من هذا الفراغ الأخلاقي الغربي لتعزيز نفوذها عبر تقديم مقاربات بديلة للهجرة والتنمية، وهو ما قد يُعيد تشكيل الاصطفافات في القارة مستقبلاً.

بالتالي، فإن عمليات الترحيل هذه لا تمثّل فقط قضية لجوء أو هجرة، بل تعبّر عن إعادة رسم خرائط السيطرة والمصالح والنفوذ بين الشمال والجنوب، عبر أدوات لينة ظاهرًا (تمويل، مساعدات، عقود تنمية) لكنها تقوم على منطق الردع، التهديد، وشراء الولاء في جوهرها.


 


خاتمة

إن ترحيل المهاجرين غير النظاميين من الولايات المتحدة إلى دول إفريقية مثل رواندا وإسواتيني يمثل تطوراً بالغ الحساسية في ملف الهجرة الدولية، ويحمل أبعاداً سياسية وإنسانية تتجاوز مجرد الإجراءات القانونية. فبينما تُبرر هذه السياسات باعتبارات الأمن القومي والسيطرة على الحدود، إلا أنها تعكس أيضاً تحوّلات أعمق في طبيعة التعاون بين دول الشمال والجنوب، وفي إعادة رسم خريطة "الحلول البديلة" لمعضلة الهجرة التي باتت تُدار بمنطق الترحيل والتفريغ لا المعالجة الجذرية لأسبابها.

كما أن قبول بعض الدول الإفريقية باستقبال المرحّلين من أمريكا، سواء لأسباب سياسية أو اقتصادية، يعيد طرح أسئلة كبرى حول السيادة الوطنية، وحدود التفاوض الأخلاقي في العلاقات الدولية، خاصة عندما تكون الفئات المستهدفة من هذه السياسات هم الأضعف: مهاجرون فقراء، غير نظاميين، قادمون من دول تمزقها الحروب أو الأزمات الاقتصادية.

من هنا، تبرز الحاجة الماسة إلى مراقبة هذه الاتفاقات ورصد تداعياتها الإنسانية، ووضعها ضمن إطار مساءلة شاملة لسياسات الهجرة الدولية، بما يضمن احترام الحقوق الأساسية للمهاجرين، وعدم استخدام الدول الإفريقية كمنصات لتفريغ أزمات غيرها. فالمستقبل العادل للهجرة لا يُبنى على الطرد والترحيل، بل على التعاون، التنمية، وحماية الكرامة الإنسانية.